اسم الکتاب: مروج الذهب و معادن الجوهر - المجلد ۱
المؤلف: علی بن الحسین المسعودی
الجزء: ۱
الصفحة: ۴۷
ووجدت فی عدة من کتب التواریخ والسیر والأنساب ان آدم لما نطق بهذا الشعر أجابه إبلیس من حیث یسمع صوته ولا یرى شخصه، وهو یقول:-
تَنَحَّ عَنِ البلادِ وساکنیها ... فقد فی الأرضِ ضاقَ بک الفَسیحُ
وکنتَ وزَوجکَ الحوّاءُ فیها ... أآدمُ من أذى الدُّنیا مریحُ
فما زالتْ مُکایدتی ومکری ... إلى أنْ فاتکَ الثمنُ الرّبیحُ
فلو لا رَحمةُ الرّحمنِ أضحَتْ ... بِکَفِّکَ من جِنانِ الخلدِ ریحُ
ووجدت أن آدم علیه السلام سمع صوتاً ولا یرى شخصاً وهو یقول بیتاً آخر مفرداً دون ما ذکرنا من هذا الشعر، وهو هذا البیت:-
أبا هابیلَ قد قتلا جمیعاً ... وصارَ الحیُّ بالمیتِ الذبیح
فلما سمع آدم ذلک ازداد حزناً وجزعاً على الماضی والباقی، وعلم أن القاتل مقتول، فأوحى الله الیه إنی مخرج منک نوری الذی به السلوک فی القَنَوات الطاهرة والأرومات الشریفة، وأباهی به الأنوار، وأجعله خاتم الأنبیاء، وأجعل آله خیار الأئمة الخلفاء، وأختم الزمان بمدتهم، وأَغص الأرض بدعوتهم، وأنشرها بشیعتهم، فشمِّر وتطهَّر، وقدَّس، وسبَّح، واغشَ زوجتک على طهارة منها فإن ودیعتی تنتقل منکما إلى الولد الکائن منکما.
حواء تحمل بشیث:
فواقع آدم حَوّاءَ فحملت لوقتها، وأشرق جبینها، وتلألأ النور فی مخایلها، ولمع من محاجرها، حتى إذا انتهى حملها وضعت نَسَمَةً کأسر ما یکون من الذُّکران، وأتمهم وقاراً، وأحسنهم صورة، وأکملهم هیئة، وأعد لهم خَلقاً، مجللًا بالنور والهیبة، موشحاً بالجلالة والأبهة، فانتقل النور من حواء إلیه حتى لمع فی أساریر جبهته وبَسَقَ فی غُرّة طلعته، فسماه آدم شیثا، وقیل شیث هبة الله،
|