کله،فلم یزل بعد ذلک یحیى اللیل کله،و قال أنا أستحیی من اللّٰه سبحانه أن أوصف بما لیس فىّ من عبادته و أما زهده فقد روى عن الربیع بن عاصم قال:أرسلنی یزید بن عمر بن هبیرة فقدمت بأبی حنیفة علیه،فأراده أن یکون حاکما على بیت المال فأبى،فضربه عشرین سوطا.فانظر کیف هرب من الولایة و احتمل العذاب.قال الحکم بن هشام الثقفی :حدثت بالشام حدیثا فی أبی حنیفة أنه کان من أعظم الناس أمانة،و أراده السلطان على أن یتولى مفاتیح خزائنه أو یضرب ظهره فاختار عذابهم له على عذاب اللّٰه تعالى.و روى أنه ذکر أبو حنیفة عند ابن المبارک فقال:أ تذکرون رجلا عرضت علیه الدنیا بحذافیرها ففرّ منها!و روى عن محمد بن شجاع عن بعض أصحابه أنه قیل لأبی حنیفة:قد أمر لک أمیر المؤمنین أبو جعفر المنصور بعشرة آلاف درهم،قال:فما رضى أبو حنیفة،قال:فلما کان الیوم الذی توقع أن یؤتی بالمال فیه صلى الصبح ثم تغشی بثوبه فلم یتکلم،فجاء رسول الحسن بن قحطبة بالمال فدخل علیه فلم یکلمه، فقال بعض من حضر:ما یکلمنا إلا بالکلمة بعد الکلمة،أی هذه عادته،فقال ضعوا المال فی هذا الجراب فی زاویة البیت،ثم أوصى أبو حنیفة بعد ذلک بمتاع بیته،و قال لابنه:إذا مت و دفنتمونى فخذ هذه البدرة و اذهب بها إلى الحسن بن قحطبة فقل له:خذ ودیعتک التی أودعتها أبا حنیفة .قال ابنه:ففعلت ذلک،فقال الحسن:رحمة اللّٰه على أبیک فلقد کان شحیحا على دینه.

و روى أنه دعی إلى ولایة القضاء فقال:أنا لا أصلح لهذا،فقیل له:لم ؟فقال:إن کنت صادقا فما أصلح لها،و إن کنت کاذبا فالکاذب لا یصلح للقضاء .

و أما علمه بطریق الآخرة و طریق أمور الدین و معرفته باللّٰه عزّ و جل،فیدل علیه شدة خوفه من اللّٰه تعالى و زهده فی الدنیا.و قد قال ابن جریج:قد بلغنی عن کوفیّکم هذا النعمان ابن ثابت أنه شدید الخوف للّٰه تعالى.و قال شریک النخعی:کان أبو حنیفة طویل الصمت دائم الفکر ،قلیل المحادثة للناس.فهذا من أوضح الأمارات على العلم الباطنی،و الاشتغال بمهمات الدین ،فمن أوتی الصمت و الزهد فقد أوتی العلم کله.فهذه نبذة من أحوال الأئمة الثلاثة

و أما الامام أحمد بن حنبل و سفیان الثوری

رحمهما اللّٰه تعالى فأتباعهما أقلّ من أتباع هؤلاء، و سفیان أقلّ أتباعا من أحمد،و لکن اشتهارهما بالورع و الزهد أظهر .و جمیع هذا الکتاب