کل قطعة منها جرساً صغیراً حرصوا على أن یضعوا أساس المدینة دفعة واحدة من سائر أقطارها وأحب الاسکندر أن یجعل ذلک فی وقت یختاره ذی طالع سعید، فخفق الاسکندر برأسه وأخذته سِنَةٌ فی حال ارتقابه الوقتَ المحمودَ المأخوذَ فیه الطالعُ، فجاء غراب فجلس على حبل الجرس الکبیر الذی فوق العمود فحرکه، وخرج صوت الجرس وتحرکت الحبال، وخفقت ما علیها من الاجراس الصغار، وکان ذلک معمولًا بحرکات فلسفیة وحیل حکمیة، فلما رأى الصناع تحرک تلک الحبال وسمعوا تلک الأصوات وضعوا الأساس دفعة واحدة، وارتفع الضجیج بالتحمید والتقدیس، فاستیقظ الاسکندر من رَقدَته وسأل عن الخبر، فأخبر بذلک، فعجب وقال: أردتُ أمراً وأراد الله غیره، ویأبى الله الا ما یرید، أردت طول بقائها، وأراد الله سرعة فنائها وخرابها وتداول الملوک إیاها.
وإن الاسکندریة لما أحکم بنیانها وأثبت أساسها وجن اللیل علیهم خرجت دواب من البحر فأتت على جمیع ذلک البنیان فقال الإسکندر حین أصبح: هذا بدء الخراب فی عمارتها، وتحقق مراد الباری فی زوالها، وتطیر من فعل الدواب، فلم یزل البناء یُبْنَى فی کل یوم ویحکم، ویوکل به من یمنع الدواب إذا خرجت من البحر، فیصبحون وقد أخرب البنیان، فقلق الإسکندر لذلک، وراعه ما رأى، فأقبل یفکر ما الذی یصنع، وأی حیلة تنفع فی دفع الأذیة عن المدینة، فسنحت له الحیلة فی لیلته عند خلوته بنفسه وإیراده الأمورَ وإصدارها، فلما أصبح دعا بالصناع فاتخذوا له تابوتاً من الخشب طوله عشرة أذرع فی عرض خمس، وجعلت فیه