مشخصات کتاب فهرست کتاب
«« اولین صفحه    « صفحه قبل       صفحه بعدی »    آخرین صفحه»»
اسم الکتاب: يسئلونك عن...    المؤلف: مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر    الجزء: ۱    الصفحة: ۲۸   

التناسق التكويني والتشريعي في الإنفاق:

إنّ قوانين الإسلام متناسقة مع قانون الخلق، فلله تعالى جهاز باسم (جهاز الخلق)، نطلق عليه القوانين التكوينية، وله جهاز آخر يسمى بالقوانين التشريعية

والدينية، وبين هذين القانونين تناسق، فإن أمر الإسلام الناس بالإنفاق في جهاز التشريع، فإنّ هذا يعني أنّ في عالم الخلق والتكوين كذلك مخلوقات في حال الإنفاق والعطاء، حيث سنشير إلى نماذج منها:

أ) الشمس المشرقة، دائماً في حال الإنفاق على كافّة كواكب المجموعة الشمسية وموجوداتها، وعلى أثر هذا الإنفاق تفقد ملايين الأطنان من وزنها يومياً، متحولة إلى ضوء وحرارة، لنستفيد منها نحن البشر وباقي المخلوقات، في حين لا يعود عليها شي‌ء في مقابل هذا الإنفاق.

ب) الكرة الأرضية تنفق دائماً على سكانها، سواء من البشر أو الحيوانات أو غيرهما من المخلوقات، ألا تنبت هذه الحبوب الغذائية والفواكه من سطح الأرض؟

في المقابل ما الذي نقدمه لها؟ بل أحياناً، وبدل أن نردّ هنا الجميل لعطاء الأرض بشكل سليم، فإننا نقوم بتخريب المصادر الطبيعية لها!

ج) البحار كذلك في حال من الإنفاق الدائم، إذ تتبخّر مياه البحار بدون مقابل، وتتحوّل تلك الأبخرة إلى بحر من المياه على شكل غيوم في السماء، ومن ثم ترسل بواسطة الرياح إلى الأراضي القاحلة لتروي بقطرات أمطارها تلك الأراضي المتعطشة.

د) حتى الحيوانات ليسوا مستثنين من قانون الخلق هذا، فعندما تعطي البقرة من أربعين إلى ستين ليتراً من الحليب يومياً، فإن نسبة قليلة منه يكون من نصيب صغيرها، أما الباقي فيستفيد منه الإنسان.

والنحل نموذج مناسب آخر لما ذكر أعلاه، فهي الحشرة والحيوان الوحيد التي لا تنام طوال حياتها، وتعمل ليل نهار لتقدم للإنسان أحلى الحلويات وأكثر الأغذية فائدة، يقول تعالى: وَأَوْحى رَبُّكَ إلى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ* ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لآيَةً لِقَوْم يَتَفَكَّرُونَ‌ (1).

بناء على هذا، فالكون كلّه في حال الإنفاق، وقوانين الإسلام متناسقة مع قوانين التكوين والخلق، ولهذا يأمر تعالى الإنسان بمساعدة المحتاجين في المجتمع متناسقاً مع عالم التكوين.

ه-) إنّ الجهاز الداخلي لجسم الإنسان في حال الإنفاق كذلك، فقلب الإنسان يستمر في حياته بكمية قليلة من الدم، ولكنه يسعى طوال سنوات متمادية، وعبر النشاط المتواصل ليوصل الدم إلى سائر أعضاء جسم الإنسان.

وبالتالي فهذا العالم الكبير الذي يحيط بالإنسان، والعالم الصغير في داخل جسده، كلاهما في حال الإنفاق، وعلى الإنسان أن يكون من أهل الإنفاق، وإلّا فهو نتوء نافر في عالم الخلق والمتناسق.

1. سورة النحل، الآيتان 68- 69.


«« اولین صفحه    « صفحه قبل       صفحه بعدی »    آخرین صفحه»»
مشخصات کتاب فهرست کتاب