مشخصات کتاب فهرست کتاب
«« اولین صفحه    « صفحه قبل       صفحه بعدی »    آخرین صفحه»»
اسم الکتاب: يسئلونك عن...    المؤلف: مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر    الجزء: ۱    الصفحة: ۴۲   

قليل دائم:

إنّ الأعمال التي تؤدى في سبيل الله عزّ وجلّ ونوعيتها المستمدة من الإخلاص والتقرب إلى الله تتميز بأنّ قليلها كثير وأنّها دائمة رغم قلتها، ولنا في التاريخ الإسلامي نماذج كثيرة على ذلك بالإضافة إلى نماذج أخرى في سائر الأديان الأخرى، بأنّ العمل القليل المخلص كان مادة لخيرات كثيرة.

فعندما مرّ موسى عليه السلامبتلك الحوادث الخاصة التي وقعت له، وأصبح ملاحقاً من قبل فرعون وأتباعه، أجبر لحفظ نفسه على ترك مصر والسفر إلى مدين، وكان في‌

حالة يرثى لها من الفرار بحيث لم يكن لديه زاد لسفر أثناء هربه من عمّال الطاغوت، ولم يكن يعرف أحداً في مدين، ولكنه عندما وصل إلى هناك قام بخطوة صغيرة في سبيل رضى الله عزّ وجلّ أدّت إلى تحول كبير في حياته، حيث استلقى تعباً في ظلّ نخلة وجلس تحتها وصار ينظر إلى مشهد سقي الخراف، مناجياً ربّه، وإذا به يرى من بين من يريدون سقي أغنامهم فتاتين تريدان أن تقوما بذلك وتنتظران دورهما لكي تقيسا، ولم يكن الشباب يسمحون لهما، فاقترب عليه السلاممن ذلك البئر واعترض على الرعاة قائلًا: لم لا تسمحون لهاتين الفتاتين أن تقوما بسقي أغنامهما عندما تصل النوبة إليهما؟

فابتعد هؤلاء الشباب فقام موسى عليه السلامفأدلى بدلوه، واستخرج الماء لوحده بقوّته التي كان الشباب يحتاجون لأكثر من شخص ليقوموا بذلك، وملأ السقاء ماء وأخرجه من البئر، مستعيناً بالله عزّ وجلّ في ذلك وسقى أغنام الفتاتين ثم رجع إلى موضعه في ظلّ النخلة وخاطب ربّه قائلًا: رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْر فَقِيرٌ (1)، في ذلك اليوم رجعت بنات شعيب إلى بيت أبيهما أبكر من كل يوم وقصّتا على أبيهن ما حدث فأرسل شعيب عليه السلامإحدى ابنتيه خلف موسى لكي تدعوه إلى بيته، فشكره شعيب على ذلك، فأصبح موسى نتيجة لذلك صاحب زوجة ومال وثروة، بالإضافة إلى تلقيه في تلك المرحلة تربيته النبوية بيد نبي عظيم الشأن من أنبياء الله عزّ وجلّ، نعم إنّ هذا العمل البسيط الذي يتمثل في سقي عدد من الأغنام لرضى الله عزّ وجلّ أضحى منشأ خير وبركة على النبي موسى عليه السلام.

إنّ النموذج الآخر لذلك الأمر، قصّة طوعة، فعندما بقي سفير الإمام الحسين عليه السلاممسلم بن عقيل عليه السلاموحيداً غريباً يمشي في أزقة الكوفة يبحث عن ملجأ له بعد أن نكث من كان معه العهد الذي قطعوا معه، مرّ بدار طوعة التي كانت تنتظر ولداً لها وتأخر عن الرجوع إلى منزله، فكانت تطلّ من الباب وتدخل إليه مرتقبة حضوره،

وإذا بها ترى شخصاً غريباً متكئاً على حائط المنزل، فاستفسرته عنه فعرّف عن نفسه بأنّه مسلم بن عقيل سفير الإمام الحسين عليه السلام، عندها قامت تلك المرأة بدعوته إلى منزلها واستضافته تلك الليلة، قد بقي أثر هذه المبادرة في التاريخ خالداً فكم من الأشراف والأغنياء عاشوا في الكوفة ولكن التاريخ لم يحفظ اسم واحد منهم، وحفظ اسم تلك المرأة بجانب اسم الإمام الحسين عليه السلامفي تاريخ كربلاء خالداً، لأنّها قامت في ليلة من الليالي بنية خالصة باستضافة سفير الإمام الحسين عليه السلام، لذا إذا كان عمل الخير مترافقاً بالإخلاص فإنّ قليله أيضاً كثير وخالد وباق.

1. سورة القصص، الآية 24.


«« اولین صفحه    « صفحه قبل       صفحه بعدی »    آخرین صفحه»»
مشخصات کتاب فهرست کتاب