مشخصات کتاب فهرست کتاب
«« اولین صفحه    « صفحه قبل       صفحه بعدی »    آخرین صفحه»»
اسم الکتاب: يسئلونك عن...    المؤلف: مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر    الجزء: ۱    الصفحة: ۹   

يدور القمر حول نفسه مرّة كل شهر (30 يوماً)، لذا يكون قسم رقيق منه في البدايةمضاءً، ومن‌ثم‌يأخذ هذا القسم بالتوسع بالتدريج حتى منتصف الشهر، فيصبح مضاءً بشكل كامل، ومن ثم تأخذ إضاءته بالخفوت تدريجياً، وبالتالي نلاحظ تلك التغيرات التي تطرأ على سطح القمر نتيجة دورانه حول نفسه طوال شهر.

ويذكر تعالى في جواب السؤال المطروح عن الهلال ما يلي: إنّ القمر يمثّل تقويماً طبيعياً ينظم حياة الناس، معلّقاً في كبد السماء، حتى يستفيد منه كل إنسان على هذه البسيطة، في أية نقطة منها، مهما اختلفت مستوياته العلمية والمعرفية والإدراكية، ليمنح حياته التنظيم والدقّة بناءً على هذا التقويم الطبيعي.

قد تقوم الشمس بهذا الدور أيضاً، ولكنّها تختلف عن دور القمر، إذ لا يمكن معرفة التاريخ عبر التحديق في السماء بالنظر إلى الشمس، ولكن يمكن ذلك بمراقبة القمر وحالته.

لقد خُلق هذا التقويم الطبيعي لهدفين مهمين هما:

1. إيجاد حالة من التنظيم والبرمجة في حياة الإنسان، لأنّ الحياة بدون التنظيم مصدر لكل إخفاق وفشل، ولهذا خلق الله القمر حتى يقوم الإنسان بأعماله على أساس برنامج خاص وتنظيم دقيق.

2. إنّ العبادات الدينية تؤدى وفقاً لهذا التقويم الطبيعي، إذ بظهور الهلال ورؤيته تبدأ غرّة الشهر القمري، فيقوم المسلمون بأداء فريضة الصوم في شهر رمضان، وبطلوع الهلال ورؤيته يؤذن بانتهاء شهر رمضان، وحلول عيد الفطر المبارك، حيث يحرم الصوم في هذا اليوم، ومع مرور تسعة أيّام من شهر ذي الحجة يتوجّه الحجاج‌إلى عرفات ومن ثم يفيضون في اليوم العاشر من ذلك الشهر نحو منى، حيث يؤدون شعائر خاصة فيه، وبعد انقضاء اثني عشر يوماً من هذا الشهر يعود الناس إلى مكة المكرمة ليؤدوا شعائرهم هناك.

وبالتالي فإنّ وجود هذا الهلال يمنح حياتنا الطبيعية والعادية نظماً، كما نستفيد منه لأداء أعمالنا الدينية وعباداتنا الشرعية وفق هذا التقويم الطبيعي.

سبب نزول هذه الآية:

ذكر كبار المفسّرين أسباباً مختلفة لنزولها، حيث نقل عدّة منهم أنّ جماعة من اليهود طرحوا هذا السؤال على رسول الله صلى الله عليه وآله طالبين منه توضيح حكمة التحولات التي تطرأ على القمر طوال الشهر (1)، ولكن بنظرنا، ليس المهم معرفة هوية السائل، مسلماً كان أو غيره، بل المهم معرفة الجواب الذي ذكره الله تعالى في الردّ على هذا السؤال، فبيّن حكمته من ذلك عبر إخضاع شؤون حياتنا الطبيعية والعادية، وكذلك أمورنا العبادية والشرعية كالحج والصوم وأمثالهما للنظم والبرمجة.

من المثير للانتباه أنّ الله تعالى قد أشار في ذيل هذه الآية إلى مسألة تمثّل نموذجاً للفوضى الذي كان يحكم حياة الناس في الجاهلية، إذ لم يبق في ذلك العصر إلّا نزر يسير من آثار الحج الإبراهيمي، خليطاً مع الخرافات والخزعبلات منها ما ذكر في ذيل هذه الآية أنّهم عندما كانوا يرتدون لباس الإحرام لم يكونوا يدخلون البيت من بابه، بل كانوا يدخلون من نقب يحفرونه خلف البيت ليعبروا منها كالحيوانات (2).

وقد ذمّ القرآن الكريم هذه الفوضى، ولم يعتبره علامة للبر والإحسان، وأمرهم بالدخول من باب البيت كالمعتاد والمألوف قبل الإحرام.

1. مجمع البيان، ج 2، ص 27.

2. تفسير الصافي، ج 1، ص 248.


«« اولین صفحه    « صفحه قبل       صفحه بعدی »    آخرین صفحه»»
مشخصات کتاب فهرست کتاب