|
اسم الکتاب: فلسفتنا
المؤلف: الصدر، السيد محمد باقر
الجزء: ۱
الصفحة: ۸۷
بين بعض المعلومات وبعض ؛ فإنّ كلّ معرفة إنّما تتولّد عن معرفة سابقة ، وهكذا تلك المعرفة حتّى ينتهي التسلسل الصاعد إلى المعارف العقلية الأوّلية التي لم تنشأ عن معارف سابقة ، وتعتبر ـ لهذا السبب ـ العلل الأولى للمعرفة . وهذه العلل الأولى للمعرفة على نحوين : أحدهما ما كان شرطاً أساسياً لكلّ معرفة إنسانية بصورة عامّة . والآخر ما كان سبباً لقسم من المعلومات . والأوّل هو : مبدأ عدم التناقض ، فإنّ هذا المبدأ لازم لكلّ معرفة ، وبدونه لا يمكن التأكّد من أنّ قضية مّا ليست كاذبة مهما أقمنا من الأدلة على صدقها وصحّتها ؛ لأنّ التناقض إذا كان جائزاً فمن المحتمل أن تكون القضية كاذبة في نفس الوقت الذي نبرهن فيه على صدقها ، ومعنى ذلك : أنّ سقوط مبدأ عدم التناقض يعصف بجميع قضايا الفلسفة والعلوم على اختلاف ألوانها . والنحو الثاني من المعارف الأوّلية هو : سائر المعارف الضرورية الأخرى التي تكون كلّ واحدة منها سبباً لطائفة من المعلومات . وبناءً على المذهب العقلي يترتّب ما يأتي : أوّلاً : أنّ المقياس الأوّل للتفكير البشري بصورة عامّة هو : المعارف العقلية الضرورية ، فهي الركيزة الأساسية التي لا يستغنى عنها في كلّ مجال ، ويجب أن تقاس صحّة كلّ فكرة وخطأها على ضوئها . ويصبح بموجب ذلك ميدان المعرفة البشرية أوسع من حدود الحسّ والتجربة ؛ لأنّه يجهِّز الفكر البشري بطاقات تتناول ما وراء المادّة من حقائق وقضايا ، ويحقّق للميتافيزيقا والفلسفة العالية إمكان المعرفة . وعلى عكس ذلك المذهب التجريبي ؛ فإنّه يبعد مسائل الميتافيزيقا عن مجال البحث ، لأنّها مسائل لا تخضع للتجربة ، ولا يمتدّ إليها الحسّ العلمي ، فلا يمكن التأكّد فيها من نفي أو إثبات ما دامت التجربة هي المقياس الأساسي الوحيد ، كما يزعم المذهب التجريبي . |
|