مشخصات کتاب فهرست کتاب
«« اولین صفحه    « صفحه قبل       صفحه بعدی »    آخرین صفحه»»
اسم الکتاب: دراسات وتوجيهات إسلامية    المؤلف: سحنون، أحمد    الجزء: ۱    الصفحة: ۴۲   

وإذا فكر فلا يكون ذلك إلا حينما تمر به جنازة أخيه محمولا إلى مرقده الأخير أو حينما يدفن بيديه عزيزا عليه ولكن دون أن يحمله الفكر على العمل بل سرعان ما يعود إلى غفلته الطويلة وآماله العريضة فمثلنا ما قيل:
تروعنا الجنائز مقبلات … ونلهو حين ترجع مدبرات
كروعة هجمة لمغار ذئب … فلما غاب عادت راتعات
ما أشد جهل الإنسان إذ يكون أسير حواسه ولا يكون أسير عقله وهو لا يمتاز عن الحيوان بحواسه وإنما يمتاز عنه بعقله، وهؤلاء الكفرة الظلمة الذين نراهم يستطيعون خراب العالم في بضع ساعات فنحسبهم يفوقوننا عقلا هم الذين يقول الله فيهم {إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} ويقول: حاكيا عنهم وهم في سواء الجحيم: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} ويقول: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} فيقول الله لهم تبكيتا وتيئيسا: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} وما أبلغ العبرة في قوله {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ} فالله- لرحمته بنا- قد وهبنا من العمر ما يكفي للتذكر وما يتسع للإعداد وأخذ الاحتياط، ولكننا لغفلتنا وجهلنا ولا نستغل هذه المساحة الصالحة للزراعة فيما ينفع وإنما نزرعها شوكا وحسكا وكل ما يضر، فأي غبن كهذا الغبن؟ لذلك يذرف صلى الله عليه وسلم هذه الدمعة السخينة على هذه الإنسانية البلهاء إذ يقول: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ".
إن مسؤولية الوقت أضخم مسؤولية، والعاقل الكيس من خرج من هذه المسؤولية راضيا مرضيا راضيا عن نفسه مرضيا عند ربه لأنه علم أن "أنفاس المرء خطاه إلى أجله" (وكل يوم مضى يدنى من الأجل) فعمر كل يوم بالنافع المثمر من الأعمال واتعظ بقوله صلى الله عليه وسلم: "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني" إن المسلم خلقه الله ليكون نموذجا صالحا للبشرية ومثلا أعلى للإنسانية وقيضه الله لهذا العالم التائه في ضلاله المتخبط في ظلامه يحمل في يديه سعادتيه، سعادته قبل الموت وسعادته بعد الموت أي أن المسلم بعثه الله إلى الناس برسالة الخلود وسعادة الأبد، فقبيح بالدليل أن يضل وبالمنقذ أن يهلك، لكن المسلم بعد أن طوف ما طوف في أرجاء السعادة وحلق ما حلق في سماء المجد أخلد


«« اولین صفحه    « صفحه قبل       صفحه بعدی »    آخرین صفحه»»
مشخصات کتاب فهرست کتاب