فان کان فی بلد شاع فیه الکلام و تناطق الناس بالبدع،فینبغی أن یصان فی أول بلوغه عنها بتلقین الحق،فإنه لو ألقى إلیه الباطل لوجبت إزالته عن قلبه،و ربما عسر ذلک،کما أنه لو کان هذا المسلم تاجرا و قد شاع فی البلد معاملة الربا،وجب علیه تعلم الحذر من الربا.و هذا هو الحق فی العلم الذی هو فرض عین.و معناه العلم بکیفیة العمل الواجب ،فمن علم العلم الواجب و وقت وجوبه فقد علم العلم الذی هو فرض عین و ما ذکره الصوفیة من فهم خواطر العدو و لمّة الملک حق أیضا،و لکن فی حق من یتصدى له،فإذا کان الغالب أن الإنسان لا ینفک عن دواعی الشر و الریاء و الحسد ،فیلزمه أن یتعلم من علم ربع المهلکات ما یرى نفسه محتاجا إلیه،و کیف لا یجب علیه و قد

قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه علیه و سلم:[1] «ثلاث مهلکات:شح مطاع،و هوى متبع،و إعجاب المرء بنفسه». و لا ینفک عنها بشر.و بقیة ما سنذکره من مذمومات أحوال القلب کالکبر و العجب و أخواتهما تتبع هذه الثلاث المهلکات،و إزالتها فرض عین.و لا یمکن إزالتها إلا بمعرفة حدودها و معرفة أسبابها،و معرفة علاماتها و معرفة علاجها،فان من لا یعرف الشر یقع فیه،و بالعلاج هو مقابلة السبب بضده ،و کیف یمکن دون معرفة السبب و المسبب؟ و أکثر ما ذکرناه فی ربع المهلکات من فروض الأعیان،و قد ترکها الناس کافة اشتغالا بما لا یعنى.

و مما ینبغی أن یبادر فی إلقائه إلیه إذا لم یکن قد انتقل عن ملة إلى ملة أخرى:الإیمان بالجنة و النار،و الحشر و النشر،حتى یؤمن به و یصدق،و هو من تتمة کلمتی الشهادة،فإنه بعد التصدیق بکونه علیه السلام رسولا ینبغی أن یفهم الرسالة التی هو مبلغها،و هو أن من أطاع اللّٰه و رسوله فله الجنة و من عصاهما فله النار.فإذا انتبهت لهذا التدریج علمت أن المذهب الحق هو هذا،و تحققت أن کل عبد هو فی مجاری أحواله فی یومه و لیلته لا یخلو من وقائع فی عباداته و معاملاته عن تجدّد لوازم علیه،فیلزمه السؤال عن کل ما یقع له من النوادر،و یلزمه المبادرة إلى تعلم ما یتوقع وقوعه على القرب غالبا.فإذا تبین أنه علیه الصلاة و السلام إنما أراد بالعلم المعرّف بالألف و اللام فی

قوله صلى اللّٰه علیه و سلم: «طلب العلم فریضة على کلّ مسلم»