الناس فلا تغفل عن الصحابة و علو منصبهم،فقد أجمع الذین عرّضت بذکرهم على تقدمهم، و أنهم لا یدرک فی الدین شأوهم و لا یشق غبارهم ،و لم یکن تقدّمهم بالکلام و الفقه،بل بعلم الآخرة و سلوک طریقها،و ما فضل أبو بکر[1]رضى اللّٰه عنه الناس بکثرة صیام و لا صلاة و لا بکثرة روایة و لا فتوى و لا کلام و لکن بشیء وقر فی صدره،کما شهد له سید المرسلین صلى اللّٰه علیه و سلم.فلیکن حرصک فی طلب ذلک السرّ ،فهو الجوهر النفیس و الدّر المکنون، و دع عنک ما تطابق أکثر الناس علیه و على تفخیمه و تعظیمه لأسباب و دواع یطول تفصیلها ، فلقد قبض رسول اللّٰه صلى اللّٰه علیه و سلم عن آلاف من الصحابة رضى اللّٰه عنهم کلهم علماء باللّٰه أثنى علیهم رسول اللّٰه صلى اللّٰه علیه و سلم،و لم یکن فیهم أحد یحسن صنعة الکلام،و لا نصب نفسه للفتیا منهم أحد،إلا بضعة عشر رجلا.و لقد کان ابن عمر رضی اللّٰه عنهما منهم ،و کان إذا سئل عن الفتیا یقول للسائل:اذهب إلى فلان الأمیر الذی تقلد أمور الناس وضعها فی عنقه.

إشارة إلى أن الفتیا فی القضایا و الأحکام من توابع الولایة و السلطنة.و لما مات عمر رضى اللّٰه عنه قال ابن مسعود :مات تسعة أعشار العلم،فقیل له:أ تقول ذلک و فینا جلة الصحابة؟فقال:

لم أرد علم الفتیا و الأحکام إنما أرید العلم باللّٰه تعالى،أ فترى أنه أراد صنعة الکلام و الجدل ؟فما بالک لا تحرص على معرفة ذلک العلم الذی مات بموت عمر تسعة أعشاره؟و هو الذی سد باب الکلام و الجدل،و ضرب ضبیعا بالدرّة لما أورد علیه سؤالا فی تعارض آیتین فی کتاب اللّٰه، و هجره و أمر الناس بهجره.

و أما قولک:إن المشهورین من العلماء هم الفقهاء و المتکلمون ،فاعلم أن ما ینال به الفضل عند اللّٰه شیء،و ما ینال به الشهرة عند الناس شیء آخر،فلقد کان شهرة أبی بکر الصدیق رضى اللّٰه عنه بالخلافة،و کان فضله بالسر الذی وقر فی قلبه.و کان شهرة عمر رضى اللّٰه عنه بالسیاسة، و کان فضله بالعلم باللّٰه الذی مات تسعة أعشاره بموته،و بقصده التقرّب إلى اللّٰه عز و جل فی ولایته،و عدله و شفقته على خلقه ،و هو أمر باطن فی سره.فأما سائر أفعاله الظاهرة فیتصور صدورها من طالب الجاه و الاسم و السمعة و الراغب فی الشهرة،فتکون الشهرة فیما هو المهلک، و الفضل فیما هو سرّ لا یطلع علیه أحد.فالفقهاء و المتکلمون مثل الخلفاء و القضاة و العلماء،