فی تفاریع الفقه،لأن الخصال الأربع لا تصلح إلا للآخرة،و هذه الخصلة الواحدة تصلح للدنیا و الآخرة،إن أرید بها الآخرة قلّ صلاحها للدنیا،شمروا لها و ادّعوا بها مشابهة أولئک الأئمة،و هیهات أن تقاس الملائکة بالحدّادین فلنورد الآن من أحوالهم ما یدل على هذه الخصال الأربع،فان معرفتهم بالفقه ظاهرة:

أما الامام الشافعی

رحمه اللّٰه تعالى فیدل على أنه کان عابدا ما روى أنه کان یقسم اللیل ثلاثة أجزاء:ثلثا للعلم،و ثلثا للعبادة،و ثلثا للنوم.قال الربیع :کان الشافعی رحمه اللّٰه یختم القرءان فی رمضان ستین مرة کل ذلک فی الصلاة.و کان البویطى أحد أصحابه یختم القرءان فی رمضان فی کل یوم مرة .و قال الحسن الکرابیسی:بتّ مع الشافعی غیر لیلة فکان یصلى نحوا من ثلث اللیل فما رأیته یزید علی خمسین آیة،فإذا أکثر فمائة آیة،و کان لا یمرّ بآیة رحمة إلا سأل اللّٰه تعالى لنفسه و لجمیع المسلمین و المؤمنین ،و لا یمرّ بآیة عذاب إلا تعوّذ فیها و سأل النجاة لنفسه و للمؤمنین،و کأنما جمع له الرجاء و الخوف معا.فانظر کیف یدل اقتصاره على خمسین آیة على تبحره فی أسرار القرءان و تدبره فیها.و قال الشافعی رحمه اللّٰه:ما شبعت منذ ست عشرة سنة،لأن الشبع یثقل البدن،و یقسی القلب،و یزیل الفطنة،و یجلب النوم،و یضعف صاحبه عن العبادة.فانظر إلى حکمته فی ذکر آفات الشبع،ثم فی جدّه فی العبادة إذ طرح الشبع لأجلها،و رأس التعبد تقلیل الطعام.و قال الشافعی رحمه اللّٰه:ما حلفت باللّٰه تعالى لا صادقا و لا کاذبا قط.فانظر إلى حرمته و توقیره للّٰه تعالى،و دلالة ذلک على علمه بجلال اللّٰه سبحانه و سئل الشافعی رضى اللّٰه عنه عن مسألة فسکت،فقیل له:ألا تجیب رحمک اللّٰه!فقال:

حتى أدرى الفضل فی سکوتی أو فی جوابی.فانظر فی مراقبته للسانه مع أنه أشدّ الأعضاء تسلطا على الفقهاء،و أعصاها عن الضبط و القهر.و به یستبین أنه کان لا یتکلم و لا یسکت إلا لنیل الفضل و طلب الثواب.و قال أحمد بن یحیى بن الوزیر :خرج الشافعی رحمه اللّٰه تعالى یوما من سوق القنادیل فتبعناه فإذا رجل یسفه على رجل من أهل العلم،فالتفت الشافعی إلینا و قال.

نزهوا أسماعکم عن استماع الخنا کما تنزهون ألسنتکم عن النطق به،فان المستمع شریک القائل، و إن السفیه لینظر إلى أخبث شیء فی إنائه فیحرص أن یفرغه فی أوعیتکم،و لو ردّت کلمة السفیه لسعد رادّها کما شقی بها قائلها .و قال الشافعی رضى اللّٰه عنه:کتب حکیم إلى حکیم:قد