أوتیت علما فلا تدنس علمک بظلمة الذنوب فتبقى فی الظلمة یوم یسعى أهل العلم بنور علمهم و أما زهده رضى اللّٰه عنه فقد قال الشافعی رحمه اللّٰه:من ادّعى أنه جمع بین حب الدنیا و حب خالقها فی قلبه فقد کذب.و قال الحمیدی:خرج الشافعی رحمه اللّٰه إلى الیمن مع بعض الولاة فانصرف إلى مکة بعشرة آلاف درهم.فضرب له خباء فی موضع خارجا من مکة فکان الناس یأتونه.فما برح من موضعه ذلک حتى فرقها کلها.و خرج من الحمام مرة فأعطى الحمامی مالا کثیرا .و سقط سوطه من یده مرة فرفعه إنسان إلیه فأعطاه جزاء علیه خمسین دینارا.

و سخاوة الشافعی رحمه اللّٰه أشهر من أن تحکی .و رأس الزهد السخاء،لأن من أحبّ شیئا أمسکه و لم یفارقه،فلا یفارق المال إلا من صغرت الدنیا فی عینه،و هو معنى الزهد .

و یدل على قوة زهده و شدة خوفه من اللّٰه تعالى و اشتغال همته بالآخرة ما روى أنه روى سفیان بن عیینة حدیثا فی الرقائق فغشى على الشافعی،فقیل له:قد مات.فقال :إن مات فقد مات أفضل زمانه.و ما روى عبد اللّٰه بن محمد البلوى قال:کنت أنا و عمر بن نباتة جلوسا نتذاکر العبّاد و الزهاد،فقال لی عمر:ما رأیت أورع و لا أفصح من محمد بن إدریس الشافعی رضى اللّٰه عنه:خرجت أنا و هو و الحارث بن لبید إلى الصفا،و کان الحارث تلمیذا لصالح المری فافتتح یقرأ و کان حسن الصوت،فقرأ هذه الآیة: (هٰذٰا یَوْمُ لاٰ یَنْطِقُونَ، وَ لاٰ یُؤْذَنُ لَهُمْ فَیَعْتَذِرُونَ) فرأیت الشافعی رحمه اللّٰه و قد تغیر لونه،و اقشعر جلده،و اضطرب اضطرابا شدیدا،و خرّ مغشیا علیه،فلما أفاق جعل یقول:أعوذ بک من مقام الکاذبین،و إعراض الغافلین،اللهم لک خضعت قلوب العارفین،و ذلت لک رقاب المشتاقین،إلهى هب لی جودک و جللنی بسترک،و اعف عن تقصیرى بکرم وجهک!قال ثم مشى و انصرفنا ،فلما دخلت بغداد و کان هو بالعراق فقعدت على الشط أتوضأ للصلاة إذ مر بی رجل فقال لی:یا غلام أحسن وضوءک أحسن اللّٰه إلیک فی الدنیا و الآخرة.فالتفتّ فإذا أنا برجل یتبعه جماعة فأسرعت فی وضوئی و جعلت أقفو أثره،فالتفت إلىّ فقال:هل لک من حاجة؟فقلت:نعم تعلمنی مما علمک اللّٰه شیئا.فقال لی:اعلم أن من صدق اللّٰه نجا ،و من أشفق على دینه سلم من الردى،و من زهد فی الدنیا قرّت عیناه بما یراه من ثواب اللّٰه تعالى غدا.أ فلا أزیدک؟قلت نعم.قال:من کان فیه ثلاث خصال فقد استکمل الإیمان:من أمر بالمعروف و ائتمر،و نهى عن المنکر و انتهى،و حافظ