|
اسم الکتاب: آثار البلاد وأخبار العباد
المؤلف: زكريّا بن محمّد بن محمود القزويني
الجزء: ۱
الصفحة: ۷
المقدمة الاولى في الحاجة الداعية إلى إحداث المدن والقرى اعلم أن الله تعالى خلق الإنسان على وجه لا يمكنه أن يعيش وحده كساير الحيوانات ، بل يضطرّ إلى الاجتماع بغيره حتى يحصل الهيئة الاجتماعيّة التي يتوقف عليها المطعم والملبس ، فإنّهما موقوفان على مقدّمات كثيرة لا يمكن لكلّ واحد القيام بجميعها وحده. فإن الشخص الواحد كيف يتولّى الحراثة فإنّها موقوفة على آلاتها ، وآلاتها تحتاج إلى النجّار ، والنجّار يحتاج إلى الحداد ، وكيف يقوم بأمر الملبوس وهو موقوف على الحراثة والحلج والندف والغزل والنسج ، وتهيئة آلاتها ، فاقتضت الحكمة الإلهيّة الهيئة الاجتماعيّة ، وألهم كلّ واحد منهم القيام بأمر من تلك المقدّمات ، حتى ينتفع بعضهم ببعض ، فترى الخبّاز يخبز الخبز ، والعجّان يعجنه ، والطحّان يطحنه ، والحرّاث يحرثه ، والنجّار يصلح آلات الحرّاث ، والحدّاد يصلح آلات النجّار ، وهكذا الصناعات بعضها موقوفة على البعض. وعند حصول كلّها يتمّ الهيئة الاجتماعيّة ، ومتى فقد شيء من ذلك فقد اختلّت الهيئة الاجتماعيّة ، كالبدن إذا فقد بعض أعضائه فيتوقف نظام معيشة الإنسان. ثمّ عند حصول الهيئة الاجتماعيّة لو اجتمعوا في صحراء لتأذّوا بالحرّ والبرد والمطر والريح ، ولو تستروا بالخيام والخرقاهات لم يأمنوا مكر اللصوص والعدوّ ، ولو اقتصروا على الحيطان والأبواب كما ترى في القرى التي لا سور لها ، لم يأمنوا صولة ذي البأس ، فألهمهم الله تعالى اتّخاذ السور والخندق والفصيل ، |
|