و لیت سمعته یقول:جعلک اللّٰه صاحب حدیث صوفیا،و لا جعلک صوفیا صاحب حدیث، أشار إلى أن من حصّل الحدیث و العلم ثم تصوف أفلح،و من تصوف قبل العلم خاطر بنفسه.

فان قلت:فلم لم تورد فی أقسام العلوم الکلام و الفلسفة و تبین أنهما مذمومان أو محمودان ؟فاعلم أن حاصل ما یشتمل علیه علم الکلام من الأدلة التی ینتفع بها فالقرآن و الأخبار مشتملة علیه،و ما خرج عنهما فهو إما مجادلة مذمومة و هی من البدع کما سیأتی بیانه،و إما مشاغبة بالتعلق بمناقضات الفرق لها،و تطویل بنقل المقالات التی أکثرها ترّهات و هذیانات تزدریها الطباع ،و تمجها الأسماع،و بعضها خوض فیما لا یتعلق بالدین و لم یکن شیء منه مألوفا فی العصر الأول،و کان الخوض فیه بالکلیة من البدع ،و لکن تغیر الآن حکمه إذ حدثت البدع الصارفة عن مقتضى القرءان و السنة،و نبغت جماعة لفقوا لها شبها و رتبوا فیها کلاما مؤلفا.

فصار ذلک المحذور بحکم الضرورة مأذونا فیه،بل صار من فروض الکفایات،و هو القدر الذی یقابل به المبتدع إذا قصد الدعوة إلى البدعة ،و ذلک إلى حد محدود سنذکره فی الباب الذی یلی هذا،إن شاء اللّٰه تعالى.

و أما الفلسفة فلیست علما برأسها بل هی أربعة أجزاء:

(أحدها)الهندسة و الحساب

و هما مباحان کما سبق،و لا یمنع عنهما إلا من یخاف علیه أن یتجاوز بهما إلى علوم مذمومة،فان أکثر الممارسین لهما قد خرجوا منهما إلى البدع ،فیصان الضعیف عنهما لا لعینهما،کما یصان الصبی عن شاطئ النهر خیفة علیه من الوقوع فی النهر،و کما یصان حدیث العهد بالإسلام عن مخالطة الکفار خوفا علیه،مع أن القوى لا یندب إلى مخالطتهم.

(الثانی)المنطق

،و هو بحث عن وجه الدلیل و شروطه ،و وجه الحد و شروطه،و هما داخلان فی علم الکلام.

و(الثالث)الإلهیات

،و هو بحث عن ذات اللّٰه سبحانه و تعالى و صفاته،و هو داخل فی الکلام أیضا.و الفلاسفة لم ینفردوا فیها بنمط آخر من العلم،بل انفردوا بمذاهب بعضها کفر و بعضها بدعة.و کما أن الاعتزال لیس علما برأسه بل أصحابه طائفة من المتکلمین، و أهل البحث و النظر انفردوا بمذاهب باطلة،فکذلک الفلاسفة

و(الرابع)الطبیعیات

،و بعضها مخالف للشرع و الدین الحق،فهو جهل و لیس بعلم حتى یورد